تودّع مصر عام 2017 بإعلان وزير ماليتها عمرو الجارحي موافقته على إجراءات إصدار مصر سندات في السوق الدولية بقيمة تتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار في يناير/كانون الثاني 2018، وستعقبها سندات أخرى بقيمة 1.5 مليار يورو، وفق ما أوردته وكالة رويترز يوم الثلاثاء الموافق 5 ديسمبر/كانون الأول 2017.
وكانت وكالة بلومبرغ قد نشرت مؤخرا تقريرا عن إمكانية مواجهة بعض الدول خطر التعثر في سداد ديونها الخارجية خلال عام 2018، ومن بينها مصر، نظرا لوصول الدين الخارجي لنحو 79 مليار دولار في يونيو/حزيران الماضي.
أما ما يترقبه المواطن المصري في 2018، فليس أكثر من زيادة في أسعار الوقود أو باقي الخدمات الرئيسة من مياه وكهرباء في أول يناير/كانون الثاني أو نهاية يونيو/حزيران المقبل، تطبيقا لالتزامات مصر باتفاق صندوق النقد الدولي.
وسيكون لذلك بلا شك أثر في موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، دون أن تواكبها زيادة في الأجور والمرتبات، مما سيجعل أصحاب الدخول الثابتة -وعلى رأسهم موظفو الحكومة- في معاناة شديدة لتدبير احتياجاتهم المعيشية الأساسية.
إن أشد ما يصيب المصريين الآن على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي هو فقدان الأمل في غد أفضل، لأن المشروعات التي وعدوا بها منذ الانقلاب العسكري في 2013 أتت بمردود سلبي عليهم، سواء ما نفذ منها أو ما هو تحت التنفيذ أو الذي لم ير النور بعد.
فحائزو سندات قناة السويس خسروا مدخراتهم بسبب وصول معدلات التضخم لضعف العائد على السندات، وتوسعة القناة لم تدر عائدا يساهم في تحسن الموارد المالية للبلاد، بل أصبحت عبئا على الموازنة لسداد فوائد القرض، بل إن هيئة قناة السويس تقوم بالاقتراض من الخارج عبر البنوك المصرية.
كما أن العاصمة الجديدة لم تمثل أملا في انفراجة للطبقات المتوسطة والفقيرة، فهي محدودة المساحة مقارنة بعدد قاطني القاهرة وحدها، كما أن العيش فيها -بعد الانتهاء منها- يتطلب دخولا خيالية لا تناسب غالبية المصريين، فضلا عن بُعدها عن العمران ومعاش الناس.
"
مشاركة الجيش في الحياة الاقتصادية بشكل عام أو في تجارة المواد الغذائية وتوزيعها وغيرها من الخدمات، لم يؤد إلى تحسن الأوضاع أو شعور الناس بتحسن المعيشة
"
وإذا كانت وعود السيسي في عامي 2015 و2016 عن خفض الأسعار قد ذهبت سدى، فإن تصريحه بضبط الأسعار في مطلع 2017 كذّبه الواقع، ولا يزال معدل التضخم عند 30%. كما أن مشاركة الجيش في الحياة الاقتصادية بشكل عام أو في تجارة المواد الغذائية وتوزيعها وغيرها من الخدمات، لم تؤد إلى تحسن الأوضاع أو شعور الناس بتحسن المعيشة.
وقد تكون مجالات الإخفاق الاقتصادي للحكومة المصرية في 2017 أكثر من أن تحصى، ولكن في هذه السطور، نشير إلى توقعات الأداء الاقتصادي المصري خلال عام 2018، والتي تؤكد المؤشرات على أنها ستكون مماثلة لما قبلها، من حيث استمرار المشكلات الاقتصادية ووجود معالجات صورية وإعلامية دون المساس بجذر المشكلات الاقتصادية في مصر، ولذلك ستكون مصر أسيرة مشكلاتها الاقتصادية خلال العام القادم. ومن هذه المشكلات ما يلي:
وفق بيانات التقرير الشهري لوزارة المالية، فإن نسبة الاستثمارات المحلية من الناتج المحلي الإجمالي بلغت في نهاية يونيو/حزيران 2016 نحو 15%، وبلغت في الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2017 نحو 17%. ولو صحت هذه الأرقم فعليا، فإنها تعني استمرار مشكلة التمويل لتحقيق معدلات النمو المستهدفة عند 5%، فالمطلوب من الاستثمارات لتحقيق هذا المعدل من النمو أن تصل نسبة الاستثمارات المحلية من الناتج المحلي إلى 25%.
وحتى نسبة الـ15% التي تحققها الاستثمارات كنسبة من الناتج لا يتم تمويلها بشكل ذاتي، ولكن يتم اللجوء للاقتراض المحلي والخارجي لردم الفجوة بين الاستثمارات والمدخرات المحلية، حيث بلغت المدخرات المحلية 5.8% بنهاية يونيو/حزران 2016، ونحو 2.7% خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2017، وهو ما يعني أن فجوة المديونية في تزايد، مما يعني استمرار أزمة الدين العام وعجز الموازنة، وتراجع الإنفاق على الخدمات العامة من تعليم وصحة ومرافق أساسية وصيانة واستثمارات عامة.
وإذا نظرنا إلى موارد النقد الأجنبي لمصر في 2017، ومدى تحسنها في 2018، نجد أن التحسن أتى من الديون الخارجية، وكذلك من استثمارات الأجانب في الدين المحلي. أما عن المصادر الذاتية للنقد الأجنبي، فموارد قناة السويس تتراجع، وتحويلات المصريين في الخارج وعوائد السياحة تتحسن بشكل طفيف لا يسمح بعودة هذه الموارد إلى ما كانت عليه من قبل، أما الصادرات السلعية فقد زادت بنحو مليار دولار، وتأتي نسبة 50% من قيمة هذه الزيادة من الارتفاع في أسعار النفط.
حرصت الحكومة المصرية على تقييد الواردات خلال الفترة الماضية، من أجل تخفيف حدة الطلب على الدولار، وبالفعل تراجع العجز الجاري في نهاية يونيو/حزيران الماضي ليصل إلى 15.6 مليار دولار، مقارنة بـ19.8 مليار دولار بنهاية يونيو/حزيران 2016.
لكن هذا التراجع انعكس على توفير احتياجات السوق المصري، وساهم في حالة الركود. وثمة عامل آخر ساهم في استمرار حالة الركود، وهو ارتفاع تكلفة التمويل بالجهاز المصري لتصل إلى 20%، مما تسبب في فقدان المنتج المصري القدرة على المنافسة في السوقين المحلي والخارجي.
وفي ظل استمرار السياسات الحكومية المقيدة لحركة الاستيراد وارتفاع تكاليف الإنتاج سواء بالنسبة للوقود أو التمويل، فستشهد مصر خلال 2018 المزيد من الركود وتراجع الاستثمارات، وخاصة من قبل القطاع الخاص.
منذ عام 2014 ونظام السيسي يبشر المصريين بافتتاح حقول جديدة للغاز الطبيعي، وخاصة في منطقة شمال الإسكندرية وفي حقل ظهر، ومن المنتظر -بحسب تصريحات المسؤولين المصريين- أن يدخل حقل ظهر حيز التنفيذ منتصف أو نهاية 2018.
ووفق بيانات النشرة المعلوماتية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، نجد أن هناك عجزا بنحو مليون طن من النفط والغاز الطبيعي شهريا على مدار الفترة من سبتمبر/أيلول 2016 إلى سبتمبر/أيلول 2017، وهو ما يعني وجود عجز قدره نحو 12 مليون طن سنويا، ولذلك فإن حصة مصر من الإنتاج المنتظر من حقلي شمال الإسكندرية وظهر لا تسمح بسد فجوة العجز من النفط والغاز خلال 2018.
وسجل عجز الميزان البترولي في 2016/2017 نحو خمسة مليارات دولار، وفي حال استمرار سعر برميل النفط عند 57 دولارا، فإن هذا العجز يتوقع أن يزيد خلال 2018، لأن الحكومة بنَت حساباتها لموازنة 2017/2018 على سعر 55 دولارا للبرميل.
قدّر حجم الطلب على المياه في مصر لعام 2017 بنحو 79 مليار متر مكعب من المياه، وذلك وفق ما أوردته دراسة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بعنوان "الموارد المائية وترشيد استخدامها في مصر". ويتاح لمصر عبر نهر النيل 55 مليار متر مكعب، ويتم استكمال الاحتياجات المائية من المياه الجوفية وإعادة معالجة المياه. ولكن مع ارتفاع عدد السكان وثبات حصة مصر من مياه النيل، وصل نصيب الفرد من المياه إلى ستمئة متر مكعب سنويا، وهو أدنى من حد الفقر المائي المقدر عالميا بنحو ألف متر مكعب.
ومع تشغيل سد النهضة ستكون مصر في مشكلة مائية كبيرة، وقد تدخل حيز الفقر المدقع من المياه، حيث سيتدنى نصيب الفرد إلى أقل من خمسمئة متر مكعب من المياه سنويا.
وخطر تراجع نصيب مصر من مياه النيل يتهددها خلال 2018، وستكون تكلفته الاقتصادية عالية في ظل الحلول المطروحة من قبل الحكومة، والمتمثلة في قيام الجيش بإنشاء أكبر محطة لتحلية المياه.
"
في ظل استمرار السياسات الحكومية المقيدة لحركة الاستيراد وارتفاع تكاليف الإنتاج سواء بالنسبة للوقود أو التمويل، ستشهد مصر خلال 2018 المزيد من الركود وتراجع الاستثمارات وخاصة من قبل القطاع الخاص
"
المشكلات والقضايا السابقة تلقي بظلالها السلبية على الوضع الاجتماعي، من خلال اتساع رقعة الفقر التي يقدرها البعض بأكثر من 30% من سكان مصر، وكذلك مشكلة البطالة التي تصر الحكومة على تراجعها مؤخرا لحدود 11.9%، بينما الواقع يعكس تزايد معدلات البطالة، وخاصة في ظل حالة الركود التي يمر بها الاقتصاد المصري.
وبحسب بيانات النشرة المعلوماتية للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لشهر نوفمبر/تشرين الثاني 2017، تبين أن هناك ارتفاعا في معدلات الطلاق بنسبة 2.6% عند مقارنة حالات شهر سبتمبر/أيلول 2017 بالشهر نفسه من العام الذي قبله، كما تراجعت حالات الزواج خلال الفترة نفسها بنحو 6.1%.
وتظهر التحليلات الخاصة بهذه الظواهر الاجتماعية أن الأزمة الاقتصادية تأتي في المقام الأول كسبب لارتفاع معدلات الطلاق وتراجع معدلات الزواج، ومن المتوقع أن تشهد هذه المشكلات الاجتماعية المزيد من التعقيدات في 2018، بسبب الأزمة الاقتصادية.
تعد قضية الإسكان من القضايا المزمنة في مصر، وقد وعد السيسي مع بداية ولايته بإنجاز مشروع مليون وحدة سكانية لمحدودي الدخل، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع بسبب مشكلات تتعلق بالتمويل وتخلي الحكومة عن دعم الإسكان الاجتماعي خلال الفترة الماضية، فموازنة 2016/2017 لم تتضمن أية مبالغ لدعم الإسكان الاجتماعي.
ويقدر حجم الطلب على الإسكان في مصر -وفق تقديرات البنك الدولي- بنحو خمسمئة ألف وحدة سنويا لاحتياجات المقبلين حديثا على الزواج، ولكن ما يتم إنجازه من هذه الوحدات لا يتجاوز الثلث، بسبب غياب الإسكان التعاوني أو إسكان محدودي الدخل. ونظرا لمحدودية الإمكانيات المادية للأسر يتم التوجه للعشوائيات في أطراف المدن والريف؛ ولا يتوقع في الأجل القصير أو المتوسط الوصول إلى حلول مجدية لأزمة الإسكان في مصر.
في الختام لا يلوح في الأفق بمصر خلال المرحلة القادمة -والتي تمثل فيها سنة 2018 الأجل القصير- أية بوادر لعودة حياة اقتصادية تنافسية، تمارس فيها قواعد العرض والطلب والشفافية، بحيث تؤدي تلك المنافسة إلى استفادة المواطن المصري من سلع وخدمات أفضل. فاقتحام الجيش مساحات واسعة من الحياة الاقتصادية المدنية، واحتكاره المباشر وغير المباشر للعديد من القطاعات الاقتصادية، أفقد الكثيرين الأمل في أن تعيش مصر حياة اقتصادية حرة